الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويؤيد أن اليدين هنا بمعنى الإنعام قرينة الإنفاق، قال أبو عمرو الداني: وقرأ أبو عبد الله: {بل يداه بسطتان} يقال يد بسطة أي مطلقة، وروي عنه {بسطان}، وقوله تعالى: {وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا} إعلام لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء اليهود من العتو والبعد عن الحق بحيث إذا سمعوا هذه الأسرار التي لهم والأقوال التي لا يعلمها غيرهم تنزل عليك، طغوا وكفروا، وكان عليهم أن يؤمنوا إذ يعلمون أنك لا تعرفها إلا من قبل الله، لكنهم من العتو بحيث يزيدهم ذلك طغيانًا، وخص تعالى ذكر الكثير إذ فيهم من آمن بالله ومن لا يطغى كل الطغيان.وقوله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء} معطوف على قوله: {وقالت اليهود} فهي قصص يعطف بعضها على بعض، و{العداوة} أخص من {البغضاء} لأن كل عدو فهو يبغض وقد يبغض من ليس بعدو، وكأن العدواة شيء مشتهر يكون عنه عمل وحرب، والبغضاء قد لا تجاوز النفوس، وقد ألقى الله الأمرين على بني إسرائيل، وقوله تعالى: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} استعارة بليغة تنبىء عن فض جموعهم وتشتيت آرائهم وتفريق كلمتهم، والآية تحتمل أن تكون إخبارًا عن حال أسلافهم أي منذ عصوا وعتوا وهد الله ملكهم رماهم بهذه الأمور، فهم لا ترتفع لهم راية إلى يوم القيامة ولا يقاتلون جميعًا إلا في قرى محصنة، هذا قول الربيع والسدي وغيرهما. وقال مجاهد: معنى الآية كلما أوقدوا نارًا لحرب محمد أطفأها الله، فالآية على هذا تبشير لمحمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإشارة إلى حاضريه من اليهود، وقوله تعالى: {ويسعون} معنى السعي في هذه الآية العمل والفعل، وقد يجيء السعي بمعنى الانتقال على القدم، وذلك كقوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9] وإن كان مالك رحمه الله قد قال في الموطأ: إن السعي في قوله: {فاسعوا إلى ذكر الله} إنه العمل والفعل، ولكن غيره من أهل العلم جعله على الأقدام وهو الظاهر بقرينة ضيق الوقت وبالتعدية ب «إلى»، ويؤيده قراءة عمر بن الخطاب «فامضوا إلى ذكر الله» وقوله تعالى: {والله لا يحب المفسدين} أي لا يظهر عليهم من أفعاله في الدنيا والآخرة ما يقتضي المحبة. اهـ.
أي ذو قدرة، والتأييد والنصر يد الله مع القاضي حين يقضي، والقاسم حين يقسم.وتأتي صلة {مما عملت أيدينا أنعامًا} أي مما عملنا {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} أي الذي له عقدة النكاح.وظاهر قول اليهود إن لله يدًا فإن كانوا أرادوا الجارحة فهو مناسب مذهبهم إذ هو التجسيم، زعموا أن ربهم أبيض الرأس واللحية، قاعد على كرسي.وزعموا أنه فرغ من خلق السموات والأرض يوم الجمعة، واستلقى على ظهره واضعًا إحدى رجليه على الأخرى للاستراحة.وردّ الله تعالى ذلك بقوله: {ولم يعي بخلقهنّ} {وما مسنا من لغوب} وظاهر مساق الآية يدل على أنهم أرادوا بغلّ اليد وبسطها المجاز عن البخل والجود، ومنه {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} ولا يقصد من يتكلم بهذا الكلام إثبات يد ولا غل ولا بسط، ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازًا عنه، كأنهما كلامان متعاقبان على حقيقة واحدة، حتى أنه يستعمله في ملك لا يعطي عطاء قط، ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يد وبسطها وقبضها.وقال حبيب في المعتصم: كنى بذلك عن المبالغة في الكرم.وسبب مقالة اليهود ذلك على ما قال ابن عباس: هو أن الله كان يبسط لهم الرزق، فلما عصوا أمر الرسول وكفروا به كف عنهم ما كان يبسط لهم فقالوا ذلك.وقال قتادة: لما استقرض منهم قالوا ذلك وهو بخيل.وقيل: لما استعان بهم في الديات.وهذه الأسباب مناسبة لسياق الآية.وقال قتادة أيضًا: لما أعان النصارى بخت نصر المجوسي على تخريب بيت المقدس قالت اليهود: لو كان صحيحًا لمنعنا منه، فيده مغلولة.وقال الحسن: مغلولة عن عذابهم فهي في معنى: {نحن أبناء الله وأحباؤه} وهذان القولان يدفعهما قوله: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}.وقال الكلبي: كانوا مخصبين وقالوا ذلك عنادًا واستهزاء وتهكمًا انتهى.والظاهر أن قولهم: يد الله مغلولة خبر، وأبعد من ذهب إلى أنه استفهام.أيد الله مغلولة حيث قتر المعيشة علينا، وإلى أنها ممسوكة عن العطاء ذهب: ابن عباس، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.أو عن عذابهم إلا تحلة القسم بقدر عبادتهم العجل قاله: الحسن.أو إلى أن يرد علينا ملكنا.قال الطبري: غلت أيديهم خبر، وإيعاد واقع بهم في جهنم لا محالة.قاله الحسن: أو خبر عنهم في الدنيا جعلهم الله أبخل قوم قاله الزجاج.وقال مقاتل: أمسكت عن الخير.وقيل: هو دعاء عليهم بالبخل والنكد، ومن ثم كانوا أبخل خلق الله وأنكدهم.قال الزمخشري: ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغلِّ الأيدي حقيقة يغللون في الدنيا أسارى، وفي الآخرة معذبين بإغلال جهنم.والطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز كما تقول: سبني سب الله دابره، لأن السب أصله القطع.فإن قلت: كيف جاز أن يدعو الله عليهم بما هو قبيح وهو البخل والنكد؟ قلت: المراد به الدعاء بالخذلان الذي تقسو به قلوبهم، فيزيدون بخلًا إلى بخلهم ونكدًا إلى نكدهم، وبما هو مسبب عن البخل والنكد من لصوق العار بهم، وسوء الأحدوثة التي تخزيهم، وتمزّق أعراضهم انتهى كلامه.وأخرجه جار على طريقة الاعتزال.والذي يظهر أنّ قولهم: يد الله مغلولة، استعارة عن إمساك الإحسان الصادر من المقهور على الإمساك.ولذلك جاؤوا بلفظ مغلولة، ولا يغل إلا المقهور، فجاء قوله: غلت أيديهم، دعاء عليهم بغل الأيدي، فهم في كل بلد مع كل أمة مقهورون مغلوبون، لا يستطيع أحد منهم أن يستطيل ولا أن يستعلي، فهي استعارة عن ذلهم وقهرهم، وأن أيديهم لا تنبسط إلى دفع ضر ينزل بهم، وذلك مقابلة عما تضمنه قولهم: يد الله مغلولة، وليست هذه المقالة بدعًا منهم فقد قالوا: {إن الله فقير ونحن أغنياء} {غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} يحتمل أن يكون خبرًا وأن يكون دعاء وبما قالوا يحتمل أن يكون يراد به مقالتهم هذه ويحتمل أن يكون عامًا فيما نسبوه إلى الله مما لا يجوز نسبته إليه، فتندرج هذه المقالة في عموم ما قالوا.
|